طالب عدد من الإصلاحيين والنشطاء السياسيين، بزشكيان، بتحديد برنامجه وخطّته للمستقبل (أ ف ب)
محمد خواجوئي
الثلاثاء 11 شباط 2025
طهران | أثارت تصريحات المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، عن أن المحادثات مع الولايات المتحدة «ليست ذكية وغير عقلانية وغير مشرّفة»، موجةً من ردود الفعل على المستويين السياسي والإعلامي في إيران، وتساؤلات حول أسباب تبدّد أجواء التفاؤل التي ظلّلت ملف المحادثات الإيرانية - الأميركية أخيراً. وجاءت معارضة خامنئي الصريحة للمحادثات مع واشنطن، واعتبارها أنها «لا تؤثّر على حلّ المشكلات في إيران»، على رغم أنه لم يدلِ خلال لقائه مع المسؤولين الإيرانيين، قبل 10 أيام، بهكذا تصريحات، فيما استنتجت وسائل الإعلام، في حينه، احتمال أن يكون المرشد قد أعطى إذناً مشروطاً ومتحفّظاً بالدخول في مفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة، ولا سيما أنه قال: «يجب أن ننتبه مع مَن نتحدّث ومع مَن نعقد صفقة؛ وقد يعقد الشخص صفقة، لكنه يفهم ماذا عليه فعله».
وبناءً على ذلك، ثمّة مَن يتوقّع أن يكون قد جرى تبادل للرسائل بين المسؤولين الإيرانيين والأميركيين، خلال الأيام الأخيرة، أثّر على نبرة المرشد الأعلى وأدبياته. كما أثيرت تكهّنات حول أن توقيع ترامب، الأسبوع الماضي، أمراً تنفيذياً يقضي بإعادة تفعيل سياسة «الضغوط القصوى» على الجمهورية الإسلامية، كان له دور مهمّ في تعزيز أجواء التشاؤم في طهران، بعد أن كانت قضيّة المفاوضات بين الجانبَين قد عادت لتنتعش إثر عودة ترامب إلى البيت الأبيض، حيث أدلى مسؤولون قريبون من الحكومة، إلى جانب وجوه أصولية، بتصريحات حول ضرورة إجراء محادثات مع واشنطن، وعدم إغلاق باب التفاوض.
هكذا، تبدّى، خلال الأيام الماضية، واقعان مختلفان: ما قبل معارضة خامنئي للمحادثات وما بعدها، علماً أن من شأن موقف مرشد الجمهورية الإسلامية أن يشكّل منعطفاً في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقبل التصريحات الأخيرة لخامنئي، وتعقيباً على ما أدلى به الرئيس الأميركي بالتزامن مع توقيعه تعميماً لتفعيل الضغوط القصوى على إيران، وتشديده على ضرورة منع الأخيرة من الحصول على سلاح نووي، ودعوته إلى إجراء محادثات مباشرة ووجهاً لوجه مع نظيره الإيراني، قال مسؤولون إيرانيون، بمن فيهم رئيس الجمهورية، مسعود بزشكيان: «(إنّنا) لسنا بصدد اقتناء السلاح النووي»، فيما اعتبر وزير خارجيته، عباس عراقجي، أن الشروط المطروحة «مفروغ منها. إذا كان الموضوع الرئيسي يتمثّل في ألّا تحصل إيران على السلاح النووي، فإن هذا تحصيلُ حاصلٍ، ولا يشكّل عقبةً».
وتُظهر المواقف الرسمية الأخيرة للمسؤولين الإيرانيين أنهم كانوا يرون أن الظروف مهيّأة للدخول في مفاوضات مع أميركا، أو أنهم على الأقل ليسوا متشائمين؛ لكنّ هؤلاء أنفسهم غيّروا موقفهم بعد تصريحات خامنئي. وفي هذا الإطار، قال بزشكيان: «نقف اليوم إلى جانب قائد الثورة»، مشدّداً على أن كلامه «هو فصْل الخطاب». وخلال كلمته من ساحة الحرية في طهران، أمام الحشود المليونية التي خرجت في مسيرات إحياءً للذكرى الـ46 لانتصار الثورة الإسلامية (22 بهمن 1357هـ ش/ 11 شباط 1979)، تطرّق الرئيس الإيراني إلى تصريحات ترامب الذي «يدّعي بأنه يريد التفاوض مع إيران، في الوقت الذي يوقّع فيه على قرار لفرض أقصى الضغوط وإركاع الشعب والثورة الإسلامية».
تصاعدت، خلال الأيام الأخيرة، شائعة استقالة الرئيس الإيراني في وسائل الإعلام الأصولية
وقال: «هؤلاء يدّعون بأنهم يرغبون في الحوار، وأن إيران هي التي تزعزع الأمن في المنطقة»، في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، بـ«تهديد الأمن الإقليمي وقصف المظلومين في غزة ولبنان وسوريا وأيّ مكان سنحت لها الفرصة في ارتكاب مجازر فيه». كذلك، أشار إلى أن «الأميركيين يزعمون أنهم قادرون على إركاعنا عبر الحظر وإغلاق جميع الأبواب علينا، لكنهم يغفلون حقيقة أنهم لو كانوا قادرين لفعلوا ذلك قبل الآن».
وفي سیاق متصل، رأى وزير الخارجية الإیراني أنه «ليس هناك أيّ منطق وعقل يقبل بإجراء المفاوضات تحت الضغوط»، مؤكداً: «(أنّنا) لن نسمح لأحد بأن يملي إرادته على شعبنا». کما صدر عن «المجلس التنسيقي للإعلان الإسلامي» في إيران، البيان الختامي لمسیرة الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الإسلامية، والذي أعلن فيه دعمه الحاسم لجبهة المقاومة، وخاصة فلسطین و«حزب الله» و«أنصار الله»، واستنکاره المخطّط الأميرکي لتغییر خریطة غرب آسیا والعالم، كما لفت إلى أنه «لا يعتبر التفاوض مع الولایات المتحدة المتغطرسة أمراً عقلانیاً أو ذکیاً أو شریفاً».
وتبلورت، خلال الأيام الماضية، مواقف موجّهة إلى بزشكيان، طالبته بأن يحدّد مصيره في ظلّ هكذا ظروف، وما إذا كان سيبقى في منصبه أو أنه سيغادره. وفي هذا الجانب، طالبت صحيفة «جوان» القريبة من «الحرس الثوري»، الحكومة بأن تتحرّك «من دون إهدار للوقت»، واستناداً إلى مواقف المرشد الأعلى. كما لفتت إلى أنه من المرتقب أن تشهد الحكومة «معارضات ضمنية وحتى علنية، وحتى إن البعض بدأ يطالب بزشكيان بالاستقالة».
وبالفعل، انتشرت، خلال الأيام الأخيرة، شائعة استقالة الرئيس الإيراني في وسائل الإعلام الأصولية، وازدادت حدتها إلى درجة أن رئيس شؤون الاتصال في الحكومة، علي أحمدنيا، قال عبر حسابه في منصة «إكس»، إن هذه الشائعات من صنع «ثلة من البسطاء والواهمين». كما أن رئيس مجلس الإعلام في الحكومة، إلياس حضرتي، أكّد أن «بعض التيارات أثارت مراراً شائعة استقالة رئيس الجمهورية، وأثارتها ثانية خلال الأيام الأخيرة في سبيل إيجاد الفوضى وعدم السماح للحكومة بممارسة عملها ومهامّها».
وعلى الرغم من نفي استقالة بزشكيان، فقد طالبه عدد من الإصلاحيين والنشطاء السياسيين بتحديد برنامجه وخطّته للمستقبل. وأشار بعضهم، بمن فيهم فيض الله عرب سرخي وهو من الوجوه الإصلاحية، إلى احتمال رفض لوائح «مجموعة العمل المالي FATF» في «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، واستمرار حجب مواقع التواصل الاجتماعي، ورفض المحادثات مع أميركا، متوجّهاً إلى بزشكيان، بالقول: «والآن، تفضّل وقل ماذا تريد أن تفعل؟».
في المقابل، رأى بعض السياسيين، بمن فيهم حسام الدين أشنا مستشار الرئيس الإيراني السابق، أن كلام «آية الله» الذي أدلى به يوم السابع من الجاري، حول منع المحادثات مع أميركا، له وجه آخر، إذ هو أراد التأكيد أن المفاوضات «يجب» أن تكون ذكية وعقلانية ومشرّفة، وأن يكون لها أثر في معالجة مشاكل البلاد. وقوبل هذا الرأي بردّ فعل سريع من مهدي فضائلي، عضو مكتب حفظ ونشر أعمال المرشد الأعلى، الذي اعتبر كلام أشنا «تحريفاً سافراً». كذلك، رفض أكبر أعلمي، النائب السابق في البرلمان والناشط الإصلاحي، أيّ استنتاجات حول معارضة خامنئي للمحادثات مع أميركا، قائلاً: «إنه لم يغلق باب المحادثات بين إيران وأميركا، بل استفاد بجدارة من تكتيكات المفاوضات مع الأخذ في الاعتبار المصالح القومية».
أمّا صحيفة «كيهان» المعروفة دائماً بمعارضتها العنيدة للمحادثات مع واشنطن، فقد تطرّقت إلى هذا الموضوع في مقال لحسين شريعتمداري الذي وصف أنصار المحادثات بـ«الحمقى أو الخَوَنة». وكتب: «إن الذين يتحدّثون اليوم بأصوات نشاز عن المحادثات ويسوّدون الصفحات ويتعاركون من أجلها، هم إمّا حمقى أو خونة، وفي كلتا الحالتَين، لا يستحقّون تولّي المسؤوليات المفتاحية في الدولة».